الولادة الثانية لم تعد شيئ عضوي
مصطلح الولادة الثانية لم يعد عضوياً ، فهو نفسي وثقافي بامتياز، ومعناه أن من يستطيعون إعادة النظر في حياتهم ويمتلكون حاسة النقد الذاتي يكون لنهارهم الطويل فجر آخر، ولأعمارهم عمر إضافي…
فالإنسان لا يستطيع أن يطيل عمره لكنه يعمق مساحة العمر، ويعيش أعماراً في العمر الواحدإذا أراد..
والولادة الثانية لا تَحمل بها أمهات ولا تُقاس بعدد الشهور لكنها ذات مخاض بالغ العسر يختبر منسوب المناعة والإرادة لدى من يقرر أن يحوّل الضارة إلى نافعة والعقبة ، وهؤلاء نادرون لكنهم تركوا بصماتهم على منجزات علمية وفكرية ومهروا زمنهم بتواقيع لا يمحوها الزمن، وحولوا الفشل إلى نجاح..
ومنهم من اعتذر عن مراهقة فكرية وأعلن بلوغ الرشد العقلي ولم تأخذه العزة بالإثم.
وإذا كانت الولادة الأولى قدرية ولا خيار للإنسان فيها، فإن الولادة الثانية إرادية، فهو خلالها لا يختار والديه بل يحدد من خلال البوصلة الجهة التي توصله إلى شاطئ الأمان. لكن هذه الولادة غير متاحة للجميع، خصوصاً لمن تأقلموا مع الشروط التي تحاصرهم وحولوا كل ما يحيط بهم ويتحكم بمصائرهم إلى قضاء وقدر، وأخيراً استسلموابإرادتهم..
الفنانة التشكيلية التي فقدت ذراعيها بحادث سير واصلت الرسم بالقدمين، وطه حسين و بشار بن برد و بورخيس رؤوا للمبصرين ما لا يرونه، والموسيقار الأصم أمتعت سيمفونياته ملايين البشر كما هو الحال مع بيتهوفن الذي كان لا يسمع التصفيق لإبداعه بل يراه..
إنها مفارقة أن يولد البعض مرة واحدة ويموتون مراراً، مقابل آخرين يولدون مرتين ويموتون مرة واحدة…